26 - 06 - 2024

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!

لم ينبت اسم مصر الخالد في التاريخ من فراغ، بل بني لبنة لبنة حتى صار بناء عظيما يستعصي على أي فناء ولا تمثل الأهرام والمعابد العظيمة في شتى أنحاء البلاد وكتاب الموتى ومكتبة الإسكندرية القديمة إلا شواهد ضئيلة عليه، فيها نبت فجر الضمير الإنساني ونبتت أسس العدالة ومن تراثها استمدت الأديان أدبياتها.

مرت بفترات ضعف وقوة ، تجلت مرات كإمبراطورية عظيمة وفي فترات تاريخية مظلمة تحولت إلى مستعمرة، لكنها في كل أحوالها ظلت مصر التي ينتصر شعبها للمظلوم ولا يقبل الهوان لا لنفسه ولا لجيرانه. لم تعرف مصر أبدا كقوة معتدية أو متجبرة، لكنها خاضت "حروبا عادلة" لتأمين حدودها ودرء المخاطر التي تحيط بها. أو نجدة الجيران ، لعل أقدمها، على نحو ما تحكى لنا أوراق البردي وكتابات هيردوت، حين هب محاربون مصريون منذ ما يقرب من 2400 عام لنجدة الشعب الليبي ومناصرته ضد القوات اليونانية التي كانت تحاول احتلال ليبيا، وأدى وقوع القوات المصرية في كمين إلى الثورة على الملك "بسماتيك الأول" وخلعه بعد اتهامه بالخيانة!.

مجد مصر ونبلها ورهان الجوار دائما عليها لم يأت من فراغ إذن، بل تراكم فعال وتضحيات ، فمصر فعالة لا قوالة.

من هنا ليس مستغربا أن يتخاذل العرب بجعجعاتهم الفارغة ومئات ملياراتهم التي تنفق ببذخ في غير محلها وعنترياتهم المجوفة، لكن تثور أسئلة التعجب والدهشة عن أسباب صمت مصر على تجويع أهلنا الصامدين في قطاع غزة، إذ كيف تسمح دولة كانت أولا ثم كان التاريخ ، دولة مثلت فجر ضمير الإنسانية ومهد الأخلاق والشرائع والديانات أن يجوع في جوارها أحد ، كيف نقبل أن تكون آلاف الشاحنات مكدسة في المنطقة الممتدة من رفح المصرية حتى العريش ، بينما أهلنا على مرمى السمع والبصر يتضورون جوعا!!

لا هذا الكيان الغاصب المحتل ولا من وراءه من دول لاضمير ولا أخلاق لها، إلها ليحكم بالموت على من يشاء والحياة لمن يشاء، ولا مصر رغم التحديات التي تواجهها أضعف من أن تنجد الأشقاء ، فهي أنبل من أن يموت الناس جوعا على مرمى البصر من جنودنا البواسل على الحدود.

بل أصل إلى ما هو أبعد من ذلك – وربما يحدث صدمة للبعض – فلو كان الوضع مقلوبا والإسرائيليون هم المحاصرون في غزة ، تلاحقهم الطائرات والمدفعية الفلسطينية بحممها، لوجب على مصر أن تتدخل وتمدهم بالطعام والماء والمؤن لئلا يموت أحد جوعا وعطشا على حدودها ، إذ أن غير ذلك – بغض النظر عن دين وقومية الجوعى والمحاصرين – لا يتسق مع عراقة مصر ونبلها الإنساني ودورها في إرساء القيم الإنسانية وكونها دائما مظلة تحمي جيرانها وتتدخل لإنقاذهم وقت المحن.

لن تجرؤ أي قوة أن تمنع مصر من نجدة جوارها وإخوة لها في الدم والمصير، إن عزمت على نجدتهم ، فهي مساندة بقرارات من القمة العربية الإسلامية والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، وإن حدث وساد الجنون في تل أبيب وقدر لها أن تخوض حربا ، فستكون أشرف وأنبل حرب في التاريخ.

رحم الله حاكما قال "أنثروا القمحَ على رؤوسِ الجبال لكي لا يقال : جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين"، فما بالنا بالبشر!!
---------------------------------
بقلم: مجدي شندي

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان